الدولة تغرف من القروض الدولية بلا دراسة جدوى أو خطة أولويات -- Jul 08 , 2025 12
حصل لبنان في الشهرين الماضيين على قرضين من البنك الدولي بقيمة إجمالية تبلغ 500 مليون دولار مخصصة مناصفة لقطاع الطاقة المتجددة ولإعادة الإعمار، وأقرّ مجلس النواب خلال جلسته الأخيرة، اتفاقية القرض مع البنك الدولي لدعم مشاريع الطاقة المتجددة وتعزيز شبكة الكهرباء، بقيمة 250 مليون دولار لمدة 30 سنة مع فترة سماح 8 سنوات دون سداد، ويشمل إنشاء محطات طاقة شمسية بقدرة 250 ميغاوات، إعادة تأهيل ثلاث محطات كهرومائية، وتحسين كفاءة تشغيل الشبكة الكهربائية. بالإضافة لهذا القرض، تم أيضًا إقرار اتفاقية قرض أخرى قديمة مع البنك الدولي لتمويل مشروع التحول الأخضر للأغذية الزراعية في سبيل التعافي الاقتصادي (GATE) بقيمة 200 مليون دولار، والمقدم منذ حزيران 2023 ولم يقرّ لغاية اليوم.
يهدف المشروع للتطوير الإنمائي وتحسين القدرة على الصمود لدى المزارعين والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع الأغذية الزراعية في لبنان، وسيدعم المشروع:
- الإصلاحات الحاسمة لتعزيز الحماية الاجتماعية للعمال الزراعيين، وهم من أكثر الفئات ضعفًا في البلد،
- إيجاد حلول مالية مبتكرة وعاجلة لصغار الملاك الضعفاء تشمل المشاريع الزراعية - الغذائية الصغيرة والمتوسطة للمساعدة في استعادة قدراتها الانتاجية وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ،
- استعادة خدمات الدعم الأساسية للحد من قابلية التأثر بتغير المناخ وضمان استدامة إنتاج الأغذية الزراعية،
- إنشاء أنظمة وبناء قدرات وكالات حكومية مختارة تقوّم أداء القطاع.
- وسيعزز المشروع إدارة قطاع الأغذية الزراعية والتعاون بين جميع المؤسسات ذات الصلة، لضمان اتباع نهج منسق لتحقيق الأهداف القطاعية وتوفير مسار نحو إصلاحات أوسع نطاقًا.
تتوزع كلفة المشروع بين 71 مليون دولار من أجل تمويل الاستثمارات الذكية مناخيًا في سلاسل القيمة الغذائية الزراعية، 100 مليون دولار من أجل تمويل البنية التحتية والخدمات الذكية مناخيًا لتنمية قطاع الأغذية الزراعية، 21 مليون دولار لتحسين البيئة التمكينية واستعادة خدمات الدعم لتنمية قطاع الأغذية الزراعية، و8 ملايين دولار لإدارة المشاريع والمعارف.
هذا القرض القديم الممنوح من قبل البنك الدولي ليس الوحيد الموضوع على الرفّ منذ سنوات، فهناك قروض أخرى تستهدف تطوير قطاعات عدّة لم يقرّها مجلس النواب بعد ولم يتم تنفيذها، تصل قيمتها الإجمالية لأكثر من 900 مليون دولار، منها اتفاقية قرض لمشروع التحول الصحي بقيمة 55 مليون دولار منذ تموز 2023، واتفاقية قرض لتطوير البرنامج الوطني الشامل للإدارة البيئية في لبنان (المرحلة الأولى - حوض نهر الليطاني) بقيمة 200 مليون دولار، والذي يهدف للحد من التلوث وتحسين إدارة الموارد الطبيعية في حوض نهر الليطاني لتحسين سبل العيش، وقرض جديد بقيمة 257.8 مليون دولار مخصص لتمويل مشروع إمدادات المياه الثاني لبيروت الكبرى، واستكمال البنية التحتية الضرورية لنقل مياه نهر الأولي إلى العاصمة ومحيطها....
يبلغ حجم القروض المخصصة من قبل البنك الدولي لقطاع الطاقة والمياه لغاية الآن حوالى 700 مليون دولار، أقرّ مجلس النواب أوّل دفعة منها والبالغة 250 مليون دولار، يضاف إليها القرض الزراعي بقيمة 200 ميلون دولار، وقرض إعادة الإعمار بقيمة 250 مليون دولار، ليصبح إجمالي حجم القروض الموقعة 1.150 مليار دولار لغاية الآن. فما مدى أهمية تلك القروض وتأثيرها على النمو الاقتصادي؟
هذا السؤال يثير جدلًا اليوم في الاوساط الاقتصادية والسياسية على السواء. إذ لا يخفى على أحد، أن الحاجات والأولويات قد تتبدّل بين سنة وأخرى. وبالتالي، ليس من المنطق أن تكون هناك قروض مجمدة منذ سنوات، لمشاريع وقطاعات محددة، وأن يتم إحياؤها اليوم من دون إجراء إعادة دراسة وتقييم لهذه القروض.
وفي هذا السياق، يرى خبراء الاقتصاد أن الدولة لا تزال تتعاطى مع الملفات على أساس ردود الفعل، من دون الاستناد إلى الوقائع المستجدة. وهذا يعني ببساطة أن البلد حاليًّا لا يملك دراسة يمكن أن تساعد أصحاب القرار في اتخاذ قراراتهم، لا من حيث الأولويات، ولا حتى من حيث قدرات الاقتصاد في السنوات المقبلة على تسديد القروض التي يتم إبرامها اليوم. وبالتالي، من يستطيع أن يجزم إذا ما كان البلد يحتاج إلى قرض الزراعة، أم لا. ومن يقرر إذا ما كان الاقتصاد الوطني سيكون قادرًا على التسديد، في السنوات المقبلة، بصرف النظر عن سنوات السماح التي يوفرها هذا النوع من القروض عبر البنك الدولي، أو المؤسسات الدولية الشبيهة، ومنها البنك الأوروبي للاستثمار...
وتؤكد مصادر متابعة لـ "نداء الوطن" أن التعاطي مع كل القروض التي يمكن أن تُعرض على البلد، أو تلك التي سبق وحُجزت للبنان من قبل مؤسسات دولية، يجب أن تخضع للتجميد، باستثناء ما هو حيوي جدًّا، على اعتبار أن الحكومة يجب أن تنجز عما قريب خطة التعافي الاقتصادي. هذه الخطة سوف تتضمّن بطبيعة الحال، ما سيتم تحميله للاقتصاد في السنوات الخمس، أو العشر المقبلة، لتسديد ديون الدولة بعد إعادة هيكلة الدين الخارجي (يوروبوندز). كما ستتضمّن ما ستدفعه الدولة لإعادة رسملة مصرفها المركزي، بالإضافة إلى تسديد دينها للمركزي (أكثر من 16 مليار دولار). وبناء على هذه الخطة، يصبح في الإمكان تقدير ما تستطيع الدولة دفعه إذا ما قررت الحصول على قروض جديدة. وبعد ذلك، يصبح في الإمكان، التعاطي مع القروض المعروضة وفق الأولويات. وكل ما عدا ذلك يعتبر نوعًا من الفوضى المالية التي قد تعرّض الاقتصاد لمزيد من النكبات في السنوات المقبلة.
رنى سعرتي - "نداء الوطن"